يقول تعالى في مطلع سورة الحشر : { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ذلك بأنّهم شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قآئمةً عى أصولها فبإذن الله وليُخزيَ الفاسقين }
شرح الألفاظ:
الحشر: الجلاء والإخراج عن الأوطان
الجلاء: الخروج من الديار مع الأهل
شاقُّوا: خالفوا و عادوا
لينة: نخلة
الحكاية:
لمّا جاء النبي للمدينة كانت فيها قبائل من اليهود فعقد معهم النبي عهداً على ألا يحاربوه ولا يؤذوه فخانت قبيلة بني النضير العهد وتحالفت مع قريش كما أنّهم همُّوا بإلقاء صخرة على النبي و أمام هذا الغدر قرر النبي محاربتهم وأمر بالتعبئة والمسير إليهم فتحصنوا بالحصون فوجه إليهم الإنذار بأن يخرجوا في مدة 10 أيام ولكنهم رفضوا ولمّا تبين لهم عجزهم قرروا الإذعان لحكم النبي ولكن جماعة من المنافقين من بني عوف بعثوا إليهم بأنّهم ناصريهم فلم يخرجوا.
وكانت حصونهم قوية جداً ومن المحال فتحها لذلك أمر النبي بقطع نخيلهم وحرقه وكانت ثمارها من أهم مرافق الحياة عندهم فاختاروا الجلاء ورضوا به بعد أن حاصرهم المسلمون خمسة عشر ليلة فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام فيقول تعالى
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار) فالمراد بالذين كفروا من أهل الكتاب هم بنو النضير والحشر بمعنى الجمع ويخاطب الله المؤمنين بقوله ما ظننتم أن يخرجوا من ديارهم مهزومين وقد ظنّ بنو النضير أنّ حصونهم تمنع عنهم عذاب الله ولكن العذاب أتاهم من حيث لم يخطر لهم ببال وقذف الله الخوف في قلوبهم حين أحرق النبي نخيلهم فصاروا يخربون البيوت حتى لا تقع سليمة في أيدي المسلمين وأخذ المؤمنون يخربونها من الخارج بالسلاح فاتعظوا وتأملوا في مصير هؤلاء.
ثم بيّن أن ما كتبه عليهم من الجلاء أي الانتقال من بلدة لأخرى كان أخف من القتل والأسر وبين السبب في استحقاقهم هذا العذاب بقوله
ذلك بأنّهم شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) أي أنّهم عادوا الله ورسوله ومن يعادي الله فإنّ الله شديد العقاب وفي أثناء الحصار تم قطع بعض النخيل فاتخذها اليهود حجة ونادوا الرسول: (يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيب على من صنعه أفمن الصلاح قطع النخيل؟ ) فشقّ ذلك على النبي وحزن المسلمون فأنزل الله قوله: ( ما قطعتُمْ من لينةٍ أو تركتُمُوها قآئمةً على أصولها فبإذن الله وليُخزِيَ الفاسقين) فاطمأنّ المؤمنون إلى أنّ ما وقع من قطع بعض النخيل كان بإذن الله لا فساداً في الأرض بل إذلالاً لليهود الخارجين عن طاعة الله .