حلقة (11): سورة التحريم
يقول تعالى في مطلع سورة التحريم: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}
الحكاية:
تعرض هذه السورة صورةً من الحياة البيتية لرسول الله ليتخذ منها المؤمنون العبر فكشف الله أمورا خفية من حياة النبي ليكون الرسول مبلغاً وموجهاً لأمته.
فيقول تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ٌ} وقد ورد في أسباب نزول هاتين الآيتين روايتان:
الأولى: أنّ النبي كان يمكث عند زوجته زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً فتواطأت عائشة وحفصة لما وقع في نفسيهما من الغيرة أن إذا دخل عليهما النبي يقولان له: إنّي أجد منك ريح مغافير وهو صمغ حلو ينضحه شجر يقال له العفرط وله رائحة كريهة فلمّا دخل على حفصة وقالت له ذلك حلف ألا يشرب عندها العسل وقال لها ألا تخبر أحداً بذلك فأخبرت عائشة فأطلعه الله على ذلك وهو المراد بقوله (أظهره الله عليه) فأعلم النبي حفصة بذلك فظنت أنّ عائشة هي من أخبرته فقالت (من أنبأك هذا) فقال النبي (نبّأني العليم الخبير) أي الله وفي رواية أخرى أنّ النبي اختلى بمارية أم ولده إبراهيم في بيت حفصة التي كانت تزور والدها فلما رجعت غارت غيرة شديدة وعاتبت النبي على ذلك فأسرّ لها بسرّ وأمرها بحفظه وقال: إنّي أشهدك أنّ مارية عليّ حرام إرضاء لك فلم تستطع كتمه عن عائشة فتعاونت نساء النبي مع عائشة على مارية غيرةً منها فاعتزلهنّ النبي تسعاً وعشرين ليلة وأقسم على ذلك فأنزل الله مطلع هذه السورة التي فيها عتاب للنبي على تحريم شيء قد أحلّه الله له إرضاءً لأزواجه ثم تأتي الآية: { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} توجه اللوم للزوجتين ويخاطب القرآن الزوجتين : إن تتوبا وترجعا إلى الصواب يغفر لكنّ الله لأنّ قلوبكنّ مالت عن الحق والواجب من الإخلاص للرسول وإن تتعاونا على النبي فإنّ الله هو ناصره والمؤمنين والملائكة وجبريل.
حلقة (12) : سورة المجادلة والإفساح في المجالس
يقول تعالى في سورة المجادلة: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }
الحكاية:
كان المسلمون يتنافسون على مجلس رسول الله طلباً للعلم والفضل فإذا أقبل مسلم ليجلس قرب رسول الله ضنّ الجالسون بمجلسهم فأمرهم الله أن يوسع بعضهم لبعض ليتلقى الجميع العلم من رسول الله ومعنى (يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ) أي يوسع عليكم في الدنيا والآخرة وقيل يوسع الله منازلكم في الجنة.
(وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) والنشوز هو الارتفاع والمراد بذلك انهضوا من مجالسكم وتراجعوا للتوسعة على الجالسين وقيل المراد به النّهوض للصلاة والجهاد أو عمل الخير ومن ثمّ يبين الله منزلة العلم بقوله: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) أي يرفعهم درجات في ثواب الآخرة والكرامة في الدنيا.