1..سمٌّ استقرّ بينَ إصبعيه..}
عندَ مطلعِ كلِّ صباحٍ يستيقظُ ذو وجهٍ شاحبٍ رديء المِزاج ..
يبحثُ عنْ صاحبتهِ الّتي تنسيهِ همومهُ وآلامه ، ينهضُ بانفعالٍ يدوّر على تلكَ الأفعى الّتي
ما فتأت تسقيهِ من سُمّها حتّى يرتوي ، ويعودُ إليها كلَّ صباح ، فهوَ يتلذّذُ بهذا السمِّ الزعاف .
ويمسكها بينَ يديهِ ، يمنحها نظرةَ حنوٍّ واشتياق .. فيتذكر ..!!
إنّهُ صائمْ ، تثيرُ انفعالاته وبشدّة ، ولكنّهُ يرمي بها بعيداً ، ويبحثً عنْ مؤنسٍ خيرٌ وأزكى
ويعاهدُ نفسه ، كما استطاعَ أن يفارقها ساعاتَ الصّيامِ تلكْ .. فهوَ باستطاعتهِ أن يقضي العمرَ دونها
ربّما ستكونُ مجاهدةً صعبةً قليلاً .. يتناسى تلكَ الأفكار ، ويعانقُ كتابَ الله ويقرأ جهرةً قولهُ :
((الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ
مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ
يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)) [ الأعراف : 157 ]
فـ يبتسم .. ويعلم أنّه يستطيع..!
2. نورٌ وجمال..}
وتلكَ الأخرى الّتي باتتْ أسيرةَ النّفسِ والهوى ، فتعلّقَ قلبُها بالزّينةِ وحبّ المظهر
حتّى إذا ما قدمَ شهرُ الخير ،أمسكت بقرآنها ولأوّل مرّة لتقرأ قولهُ تعالى :
((وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ
وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ))[النور:31]
فأسدلت هذا الحجابَ لترى نوراً يشعّ من وجهها الصّافي
وتأملتْ كثيراً في هذهِ المرآة ، كانتْ تبدو أجملَ مِمّا اعتادت عليه
فأطلقتْ نبرةً جازمة : منذُ اليومْ سأرتدي الحجابْ..!!
كانتْ نظراتُ الاستغرابِ تراودها أينَما حلّت ولكنّها لمْ تفقدْ تلكَ الثّقة
وتردّدُ باستمرار .. : بالحجاب .. أنا أجملْ ..!!
3.نداءٌ وتلبية..}
وعلا صوتُ الأذان : "الله أكبرُ الله أكبر "
فتردّدَ صداهُ في أذنهِ طويلاً .. لطالَما سمعها ولمْ يتدبّرْ
نظرَ إلى سجادتهِ وأطلقَ تنهيدةً ملؤها الحسرةُ والنّدمْ ..
ليسَ يعلمُ ما سرّ هذا الصّوت الّذي يدوي في قلبه : "ليسَ الآنْ لا يزالُ الوقتُ مبكراً"
علِمَ أنّهُ صوتُ الشّيطان ، فأقسمَ جازِماً :" لا تسويف بعدَ اليوم ".
فنهضَ بعزمٍ يعانقُ سجّادته وهوَ يردّد الله أكبر .. وقرأ في الرّكعةِ الأولى :
((فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)) [الماعون : 4،5]
فسقطتْ منه دمعة سهواً ..!
4.أنغامٌ وسمعٌ سقيمْ..}
أتمّتِ التسحّر وحمِدت ربّها على تلك النّعمة ، سمعتْ صوتَ الأذان
ولكنَّ الخمولَ أسرَها ، ذهبتْ إلى فراشها وأوغلت السّماعاتْ حتّى أعماقِ أذنيها
فهيَ قد اعتادتْ ، سماعُ الأغاني حتّى النّومِ أمسى هوايتها المفضّلة
حتّى تغلغلت في أعماقها تلكَ الكلمات المشوّهة ، وأخذتها إلى عالمٍ آخرٍ من نوعه
تردّدَ إلى مسمعها نغمةٌ هادئة ، كانَ جارهم يستمعُ إلى سورةِ البقرة ..
فتلحفتِ الصّمتَ لوهلة .. إنّنا في رمضان ..!!
لمْ تتفكّر كثيراً ، بل حملت جوّالها وحذفتْ كلّ مزامير الشّيطانِ تلك
هيَ لن تموتَ بدونها .. فالبديلُ موجود ..!!
5.على حافّةِ الهاوية..}
لمْ تكن مرتاحةً لجلساتها الطّويلةِ تلك طوالَ اللّيل
، كانتْ تعلم أنّ هناكَ شيءً ليسَ على ما يرامْ
هوَ قالَ أنّهُ صاحبُ دين ، يصلّي ويصومُ وهوَ مستعدٌ لخطبتها .
تذكّرت أنّه منْ تركَ شيئا لله عوضهُ اللهُ خيراً منه،
هيَ تحبّهُ ولكن..
الله أولى بهذا الحبّ ..!!
لمْ تخبره بغيابها ، قامتْ بحذفْ جميع البرامج التي يحتويها جهازها
وأردفت .. : الدّردشة ليستْ مكاناً لي بعدَ هذا اليومْ..!!
6. آفةُ لسان ، وغفلةُ قلب..}
اجتمعتا ذاتَ مساءٍ على طاولةٍ لشربِ القهوةِ بعدَ الإفطارْ ليكملا حديثهما
عن حفلةِ ابنة فلانة ، وسيّارةِ زوج فلانةَ الجديدة ، وبيتِ فلانة بعد التجديدْ
واستمرّتا في التّعليقِ والتّعقيب والحسد ، والنّهش في لحومِ النّاس..
قالِ الأولى : لقدْ أخبرتني ذات يوم أنّها لا تحبّكِ ،
فصرحَ ابنها قائلاً : ماما ، ألمْ تقولي لي ذاتَ يومْ أنّ الله تعالى قال:
((وَلَا
يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ
أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
تَوَّابٌ رَحِيم)) [الحجرات :12]
وها أنتِ تغتابينَ النّاسَ ومتى ؟
في خيرِ الشّهور ..!
فاحمرّ وجهها خجلاً من تعليقِ ابنها الصّغير ،
وأقسمتْ أن تجعلَ من لسانها هذا ناشراً للخير ،
وتوبة..!!
كثيرةٌ هيَ الصّور لمنْ ظلَّ عن دربِ الهدى ، وغمرتهُ ملذّاتُ النّفس ووساوسُ الشّيطان
ولكنْ حتماً لا بدَّ أن ينشرَ الله نوراً في هذهِ النّفوس ، ويريها الحقّ من الباطلْ
أخي المسلم / أختي المسلمة
هاهيَ السّنونُ تنقضي مسرعةً أمامَ مرأى العينْ ، وفي كلِّ يومٍ يزدادُ التّسويف والتأجيل
أما آنَ أوانُ التّوبة ؟ أما آنَ الأوانُ للعودةِ إلى الله بشوقٍ ولهفة ؟
هلْ تعلَمْ متى الرّحيلُ عن هذهِ الدّنيا الحقيرة ؟
إلى متى ستبقى أسيراً لهذهِ الأهواء وهذهِ النّفس العصيّة ؟