بدأ التفكير بمصحف تضطلع دولة قطر بخطه وطبعه قبل عشر سنوات، في رحاب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي لاقت كل تشجيع ومساندة واستحسان من حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله، ثم عُرضت الفكرة على مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في اسطنبول، لتلقى هنالك الرغبة في التعاون والمشاركة في الفضل. وبعد اجتماعات ومداولات تم الاتفاق على عقد مسابقة دولية للخط العربي، كانت الأولى من نوعها في تاريخ الخط العربي وتاريخ كتابة المصحف، فاجتمع لها أمهر الخطاطين، وانتهت تصفياتها بفوز عبيدة محمد صالح البنكي. وأقيمت مسابقة مشابهة خاصة بزخارف المصحف، وتم اختيار أفضل ثلاثة من المزخرفين، كلفوا بتصاميم عدةٍ لأُطر الصفحات، وعلامات الأجزاء والأحزاب والأرباع والسجدات والوقفات وغيرها. وبعد رحلة طويلة من الكتابة والتدقيق والطباعة والمراجعة والتصويب، جاء مصحف قطر ليروي في كل صفحة من صفحاته قصة العناية والرعاية والإقبال على كلام الله وحب لكلام الله تعالى؛ مبدع الأكوان ومنزل القرآن.
تشكلت لجنة طباعة "مصحف قطر" برئاسة السيد صالح بن محمد المري، بتاريخ 18/2/2008 ولقد شملت اختصاصاتها إعداد الدراسات والمواصفات اللازمة لطباعة المصحف الشريف وإخراجه، فنياً وطباعة ورخرفة وشكلاً وتغليفاً وتجليداً بما يليق ويتناسب مع جلال وقدر المصحف
[url=http://mus-hafqatar.info/i/Mus-haf-Idea-Page_05.jpg][url=http://mus-hafqatar.info/i/Mus-haf-Idea-Page_05.jpg][/url][/url] وأهمية العمل. كما شملت تحديد واختيار المطبعة المناسبة التي تتولى عملية طباعة المصحف الشريف من بين المطابع التي تستخدم التقنيات الحديثة والمتقدمة في مجال التحضير والتجهير والطباعة والتجليد وغير ذلك مما يتعلق بأمور الطباعة. وتم تحضير وتجهيز المصحف المخطوط، الذي أعدته الوزارة وتصويره، وإرسال النسخة المصورة إلى المطبعة لتتولى عملية الطباعة والتغليف وإخراج المصحف في شكله النهائي طبقاً للمواصفات المحددة من قبل اللجنة. ولم يقف الأمر عند ذلك بل تمت المتابعة والإشراف على أعمال الطباعة والتأكد من قيام المطبعة بأعمال الطباعة وكل ما يتعلق بها بالصورة والكيفية المتفق عليها، وطبقاً للمواصفات المحددة، وتوجيه الملاحظات اللازمة للمطبعة في هذا الشأن. ثم تم مراجعة وتدقيق النسخ المطبوعة بعد إتمام عملية الطباعة بالتنسيق مع الإدارات المختصة بالوزارة، وعدم تسلم النسخ التي تحتوي على أية أخطاء مطبعية أو لغوية أو غيرها من الأخطاء أو تكون غير مطابقة للمواصفات. ثم تمت مراجعة المخطوط من قبل بعض أعضاء لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر، وتم الأخذ بجميع التصويبات التي طلب أصحاب الفضيلة إدخالها على المخطوط. وسافر وفد من الوزارة إلى بيروت للاطلاع على مدى قدرتها على تنفيذ المشروع، وبعد طبع عينات منه، سافر الوفد كذلك إلى استانبول حيث زار المطابع المؤهلة وطبعت كذلك عينات منه " حزء عم" ثم تمت المقارنة واستقر الأمر أخيراً على أن تكون الطباعة في تركيا. بعد هذه المهمات المتتابعة والمراجعات المرة تلو الأخرى، ومقارنة عينات الطباعة، صدرت الموافقة من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بإذن الطباعة بتاريخ 3/3/2008، وقد تمت مراجعة هذا المصحف الشريف بالدوحة لأول مرة بمعرفة فضيلة أ. د الشيخ أحمد عيسى المعصراوي، شيخ عموم المقارئ المصرية واللجنة الخاصة بذلك. وقد تمت هذه المراجعة بكل دقة مع مراعاة ما استحسنته اللجنة من إضافة بعض الوقوف تيسيراً على القراء عامة والحفاظ خاصة، علماً بأن ما أضافته اللجنة من هذه الوقوف لم يكن بدعاً من اللجنة، بل كان مرجعها وسندها في ذلك ما ذكره أهل الخبرة وخاصة كتاب "المكتفى" لأبي عمرو الداني، و"منار الهدى" للأشموني، و"المقصد" لزكريا الأنصاري . وفي 11/3/2008 اجتمعت لجنة طباعة مصحف قطر مع لجنة التصحيح بالأزهر فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد عيسى المعصراوي، وقرر فضيلته بصفته رئيساً للجنة التصحيح أن مستوى التصحيح الأخير في درجة الامتياز، واقترح فضيلته الشيخين سلامة كامل جمعة، والشيخ حسن عيسى المعصراوي للقيام بالتصحيح خلال الطباعة في تركيا، وإرسال النسخة مباشرة إليه في القاهرة فور الطباعة للتأكد من سلامة العمل، وأن يبدأ العمل بالمقاس الجوامعي، يليه نصف الجوامعي فالربع، فصدر القرار الوزاري رقم 36 لسنة 2008م بتشكيل لجنة شرعية لمراجعة وتدقيق مصحف قطر، كما تم تشكيل خمس لجا ن فرعية، تتكون كل لجنة من أربعة أعضاء ورئيس، حيث تقوم بالتدقيق مرة أخرى، وبعد جمع الملاحظات تم مناقشتها من قبل اللجنة الشرعية، وتم ترشيح أعضاء اللجان، ومناقشة آلية العمل؛ وبحثاً عن الأصوب والأكمل تمت المراجعة بروح الفريق الواحد للجان كلها. وفي تاريخ 15/2/1430ه الموافق 10/2/2009م تم بحمد الله وتوفيقه الحصول على إذن التداول ليخرج المصحف في أبهر صورة تجمع بين جمالية الفن ودقة الضبط، ولتبدأ عملية الطباعة، وتتكامل الجهود المبذولة من الدولة في خدمة كتاب الله؛ من إقامة المسابقات القرآنية السنوية المتميزة في حفظه، بقراءاته المتعددة إلى افتتاح مراكز التحفيظ المنتشرة في أرجائها كافة.
أهم مايميز مصحف قطر
أولا : من الناحية الموضوعية :
• أول مسابقة عبر تاريخ الخط العربي وكتابة المصحف الشريف تقام لكتابة مصحف. • أكبر مسابقه دولية في الخط العربي، إذ اشترك بها 120 من كبار خطاطي العالم. • أدق لجان التحكيم الفنية العالمية لاختيار الأفضل والأضبط من حيث قوة الكتابة وإتقان قواعد الخط. • أدق لجان التحكيم المحلية والعالمية للتدقيق والمراجعة حيث روجع أربعة عشر مرحلة . • الالتزام بالرسم العثماني في كتابة المصحف. • وضعت قواعد للكتابة ومتابعة الخطاط قبل بدء عملية الكتابة
ثانيا : من الناحية الفنية :
• المحافظة على الرسم والضبط في كل صفحات المصحف بشكل صارم فلا تجد اختلاف او تغير في شكل الحروف طوال المصحف. • توزيع الكثافة الخطية في الصفحات كلها؛ فلا تجد خللاً في توزيع الكثافة الخطية بازدحام أو فراغ في الكلمات او الأسطر ، لتبدو الأسطر والصفحات في انسجام تام و تطابق عجيب. • الالتزام بطريقة الحفاظ حيث تبدأ الصفحة بآية وتنتهي بآية، وكل جزء في عشرين صفحة . • تنتهي الآية بعلامتها في سطرها، ولا توضع علامة نهاية الآية في بداية سطر جديد, فالطرف الأيمن خالٍ تمامًا أي من علامات الترقيم. • دمج علامتي بدايات الأرباع والأحزاب مع علامة ترقيم الآية مع تمييزها بلون مغاير.
ثالثا : من الناحية الجمالية
• أول مسابقة تقام في مجال التذهيب والزخرفة لمصحف شريف. • تم عمل أكثر من زخرفة؛ حيث إن لكل حجم له زخرفته الخاصة به. • روعي في أعمال الزخرفة أن تستمد قوتها من الثقافة الإسلامية العريقة.
فن التذهيب وعلاقته بالإسلام تشكلت الزخارف الداخلية لمصحف قطر من جمال الطبيعة الخلابة بأبعادها وأشكالها، ومن عطاء القيم الإسلامية بصفائها وفطريتها، ومن الحضارة الإسلامية بإنسانيتها وعالميتها. فاستخدم فيها فن التذهيب الذي أحبه السلاطين، واستخدموه ليذهّبوا تحفهم ومقتنياتهم، واستخدم في الفن المعماري لتزيين قباب المساجد من الداخل، ومن بعدُ حواشي المصحف الشريف، والمخطوطات النفيسة، وحتى الأختام السلطانية. كما استمدت الزخارف أشكالها من النباتات والتصاميم الهندسية المستوحاة من الثقافة الإسلامية، فكانت تنساب على الصفحات بسلاسة دون أن تؤثر على وضوح الخط وأحرفه؛ بل تزيده جمالا وتألقاً.