الوفاء بالوعد
يحكى انه في حًقبه من الزمان ؛ كان هناك ملك ذو شأن ذو سلطه وهيبة ويحب الناس , لانه وفر لهم حياة رغيدة ولكن كحال كل ملوك الأرض كان له جانب سيء ؛ لانه في يوم حلت به مصائب وضاقت نفسه وعميت بصيرته فأقسم انه في ذالك اليوم انه سيخرج إلى مشارف المدينة وانه توعد بالقتل أول من يقبل على مدينته.فكان هذا قمة الظلم ولا عجب فهي صفة ملوك الأرض!
وفي المقابل كان هناك تاجر أمين طيب يسكن في المدينة المجاورة وكان يعيش عيشة طيبه مع عائلته ولكن الدنيا لا تثبت على حال ولا يأمن الإنسان غدر الزمان , فأدارت له الدنيا وجهها العبوس وأضاقته مرارتها وتخلى عنه الأصحاب وضاقت به الحال فودع زوجته وأبنائه وقال: " سأذهب لأبحث عن رزقي في بلد آخر, عسى ربي أن يجعل لي مخرجاً".
خرج الرجل ضارباً في الأرض يبتغي الفرج , ولم يكن يعلم أن حظه المشئوم وقدره المحتوم قد ساقه إلى مشارف المدينة فقد كان اليوم الذي يقتل فيه الملك أول من يدخل باب المدينة,وقد كان هذا التاجر ذو الحظ العاثر.
أمسك به الحراس واقتادوه إلى المكان الذي سيقتل فيه, فصاح الرجل : "يا قوم اتقوا الله ما الجرم الذي ارتكبته لأعاقب اشد العقاب؟! خرجت من بلدي لضيق الحال طالباً للرزق , فماذا فعلت ! جئت لمدينتكم لأعمل فأجد الموت ينتظرني!"
فأجابه الملك:"ليس عليك ذنب ولا جرم ولكني أخذت على نفسي عهداً أن اقتل أول قادم إلى المدينة في هذا اليوم ".
فقال الرجل: " لا حول ولا قوة إلا بالله أن كان هذا قدري من الله فلا اعتراض عليه , ولكني تركت ورائي زوجتي وأبنائي وهم ينتظرون عودتي بالمال والخير لهم ولا يعرفون ما سيحصل لي فأستحلفك بالله أن تمهلني ثلاثة أيام اعو داليهم لأودعهم وأدبر أحوالهم وأعلمهم بما سيحدث لي ".
فقال له الملك: " هل تحسبني أحمقا لادعك تذهب , فأنك إن ذهبت لن تعود. وهل يعود المرء إلى حتفه ؟".
فأقسم له الرجل قسماً غليظاً انه سيطمئن على أهله ويعود , رفض الملك ذالك بشده , فرق لهذا الرجل قلب الوزير فقال الوزير للملك: " يا مولاي دعه يذهب ليطمئن على أهله ثم يعود , وإنا أكفله بنفسي".
فنظر الملك غاضباً للوزير وقال : " حسناً , ولكن أن لم يعد بعد ثلاثة أيام فسأقطع عنقك بدلاً عنه."
فرح التاجر فرحاً شديداً واقبل على الوزير شاكراً له وقال له : " أعدك باني سأعود ولن أخذلك أبدا"وهرول الرجل مسرعاً ليذهب إلى أهله وعاد الملك إلى قصره .
مرت ثلاثة أيام وفي اليوم الثالث خرج الملك وحاشيته إلى مشارف ينتظرون عودته , ومر الوقت ولم يظهر الرجل وشارف الوقت على الانتهاء, فألتفت الملك إلى الوزير وقال له : " لقد نفذت المهلة وحان الوقت لأقتلك , إلا تعلم أن من يهرب من الموت يستحيل أن يرجع له " .
فقال الوزير: " لقد كفلته وأنا على استعداد تحمل مسؤولية أفعالي ." ووضع عنقه تحت أمر ألسياف وكاد أن يقطع عنقه حتى سمعوا صراخاً يعلو من بعيد "انتظروا , انتظروا!" فأمرهم الملك بالتوقف ليستطلع الخبر , فإذا به التاجر يلهث من التعب ويقول معتذراً للوزير "سامحني لقد تأخرت في الطريق " ووضع عنقه تحت تصرف السياف, فدُهِشَ الملك ووقف حائراً وسأل الرجل :"ما الذي دفعك للمجيء وأنت تعلم علم اليقين انك سَتُقتل ؟ فكان من الحري بك أن تهرب ولا تعود! "
فقال له التاجر:"لقد قطعت على نفسي عهداً بأن أعود ولن اخلف وعدي أبدا حتى ولو قُتِلتْ من أجله , فلن أدع الرجل الذي كفلني يُقتل بدلاً عني ويكون دمه في رقبتي أعيش احمل ذنبه في حياتي وأحاسب عليه في مماتي".
وعندها أنار الله بصيرة الملك و انقشع عن عينيه الغمام وقال :" الله أكبر , لقد عفوت عنك وعن الوزير إكرام لكرمك ووفائك بوعدك , فجزآك الله خيراً, فمن هذه اللحظة لن اقتل أحدا , سيكون الكل آمناً على حياته , بفضل وفائك بوعدك."