قصة رقم ( 1 ) عن الصدق ..أتى شابان إلى عمر وكان في المجلس، وهما يقودان رجلا من البادية فأوقفاه
أمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عمر : ما هذا ؟
قالوا : يا أمير المؤمنين ، هذا قتل أبانا
قال : أقتلت أباهم ؟
قال : نعم قتلته!!
قال : كيف قتلته ؟
قال : دخل بجمله في أرضي ، فزجرته ، فلم ينزجِر ، فأرسلت عليه حجرا
وقع على رأسه فمات.
قال عمر : القصاص .. الإعدام..
قرار لم يُكتب، وحُكم سديد لا يحتاج مناقشة ، لم يسأل عمر عن أُسرة هذا الرجل
هل هو من قبيلة شريفة ؟
هل هو من أُسرة قوية ؟
ما مركزه في المجتمع ؟
كلّ هذا لا يهم عمر رضي الله عنه ؟
لأنه لا يحابي أحدا في دين الله ، ولا يُجامل أحدا على حساب شرع الله
ولو كان ابنه القاتل ، لاقتص منه، وقد جلد ابنا له في بعض الأمور.
قال الرجل : يا أمير المؤمنين أسألك بالذي قامت به السموات والأرض ، أن تتركني ليلة ؟
لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية، فأُخبرهم بأنك سوف تقتلني ، ثم أعود إليك
والله ليس لهم عائل إلا الله ثم أنا ..
قال عمر : من يكفلك أن تذهب إلى البادية ، ثم تعود إلي ، فسكت الناس جميعا
إنهم لا يعرفون اسمه ، ولا خيمته ، ولا داره ، ولا قبيلته ، ولا منزله
فكيف يكفلونه ؟
وهي كفالة ليست على عشرة دنانير ، ولا على أرض ، ولا على ناقة
إنها كفالة على الرقبة أن تقطع بالسيف.
ومن يعترض على عمر في تطبيق شرع الله ؟
ومن يشفع عنده ؟
ومن يمكن أن يفكر في وساطة لديه ؟
فسكت الصحابة ، و عمر رضي الله عنه متأثر ، لأنه وقع في حيرة
هل يُقدم فيقتل هذا الرجل وأطفاله يموتون جوعا هناك ، أو يتركه فيذهب بلا كفالة
فيضيع دم المقتول
وسكت الناس ، ونكس عمر رضي الله عنه رأسه ، والتفت إلى الشابين:
أتعفوان عنه ؟
قالا : لا ، من قتل أبانا، لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين
قال عمر رضي الله عنه : مَن يكفل هذا أيها الناس ؟
فقام أبو ذر الغفاري بشيبته وبزهده ، وصِدقه رضي الله عنه ، قال :
يا أمير المؤمنين ، أنا أكفله
قال عمر رضي الله عنه : هو قتل
قال : ولو كان قتلا
قال : أتعرفه ؟
قال : ما أعرفه
قال : كيف تكفله ؟
قال : رأيت فيه سمات المؤمنين ، فعلِمت أنه لم يكذب ، سيأتي إن شاء الله.
قال عمر رضي الله عنه : يا أبا ذر ، أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث ، أني تارِكك!
قال: الله المستعان يا أمير المؤمنين
فذهب الرجل ، وأعطاه عمر ثلاث ليال ؟
يهيئ فيها نفسه ، و يودع أطفاله وأهله ، وينظر في أمرهم بعده، ثم يأتي
ليقتص منه لأنه قتل ، وبعد ثلاث ليال ، لم ينس عمر رضي الله عنه الموعد
وفي العصر نادى في المدينة : الصلاة جامعة
فجاء الشابان، واجتمع الناس ، وأتى أبو ذر رضي الله عنه ، وجلس أمام عمر رضي الله عنه
قال عمر رضي الله عنه : أين الرجل ؟
قال : ما أدري يا أمير المؤمنين
وتلفت أبو ذررضي الله عنه إلى الشمس ، وكأنها تمر سريعة على غير عادتها
وسكت الصحابة واجمين عليهم من التأثر ما لا يعلمه إلا الله.
صحيح أن أبا ذررضي الله عنه يسكن في قلب عمر رضي الله عنه ، وأنه يقطع له من
جسمه إذا أرا د، لكن هذه شريعة ، ولكن هذا مِنهاج ، لكن هذه أحكام ربانية
لا يلعب بها اللاعبون، ولا تدخل في الأدراج لتُناقش صلاحيتها ، ولا تنفذ في ظروف
دون ظروف ، وعلى أُناس دون أُناس ، وفي مكان دون مكان.
وقبل الغروب بلحظات، وإذا بالرجل يأتي ، فكبر عمر رضي الله عنه ، وكبر المسلمون معه
فقال عمر رضي الله عنه : أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ، ما شعرنا بك
وما عرفنا مكانك
قال يا أمير المؤمنين : والله ما علي منك ولكن على من الذي يعلم السر وأخفى !!
ها أنا يا أمير المؤمنين ، تركت أطفالي كفراخ الطير ، لا ماء ولا شجر في البادية
وجئت لأُقتل ، فوقف عمر وقال للشابين: ماذا تريان ؟
قالا وهما يبكيان : عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه
قال عمر رضي الله عنه : الله أكبر ، ودموعه تسيل على لحيته.
جزاكما الله خيرا أيها الشابان على عفوكم ا، وجزاك الله خيرا يا أبا ذر يوم فرجت
عن هذا الرجل كربته، وجزاك الله خيرا أيها الرجل لصدقك ووفائك.
وجزاك الله خيرا يا أمير المؤمنين لعدلك ورحمتك .