مظاهر الحياة الدينية عند العرب فى العصر الجاهلى
ينشأ سؤال، ما هذه المعالِم؟ أو حينما ننظر إلى العرب قبل الإسلام، كيف كانوا يُمارسون شعائرهم وعقائدهم، إلى أن الإسلام جاء وحوَّلهُم من عُبَّاد أصنام وأوثان إلى مُوحّدين يَعْبُدون الله وحده لا شريك له وإلى مسلمين؟
وهذه مِنَّة كُبرى ونعْمَة كُبرى. نجد أن العرب قبل الإسلام مثل غيرهم من الأمم أيضاً، ولا يُظَن أن العرب في العَصْر الجاهلي تفرّدوا بمثل هذه العبادات، ولكن أمّة اليونان، وأمّة الرومان، والمصريون القدماء، والبابليون، والفِينِقيون، والآشوريون، كَثير من الأمم كانوا يتوجهون إلى عبادات مادية وإلى عبادة الكائنات الطَّبيعية.
أولاً:فنجد أنّ العرب كانوا يتوجّهون أو بعْض العرب إلى عبادة النباتات والجمادات والطير والحيوان، لأن هذا كان يدور حَولهم فيجدون في شيء منها مصدر القوة فيَعْبدونه.
ثانياً:كانوا يتوجّهون إلى عبادة النجوم والكَواكب، وجاءتهم هذه المظاهِر من الصابِئة وبقايا الكِلدانيِّين.
ثالثاً:كانوا يتأثّرون بما يُسمَّى التثليث في العِبادة، مظهر التثليث في العبادة؛ بحيث كانوا يجْمَعون بين ثلاث ظواهر من الظواهر الطبيعية، وهي: القَمر، والشَّمس، والزُّهْرة، أو القَمر يقابِل ودّ عندهم، وكان صنماً، والشمس تقابل اللات، والزُّهْرة تُقابل العُزَّى. فالقمر والشمس والزُّهْرة، أو ودّ واللات والعُزَّى، وهذا التثليث كان شائِعاً عند عَرب الجُنوب، كما يروي ابن الكلبي في كتابه "الأصنام". كانوا يَرجِعون بآلهتهم إلى الثالوث المقدس، هو: القمر أو ود، والشمس أو اللات، والزُّهْرة أو العُزَّى.
وأيضاً نراهم يقدسون النار، ويظهر ذلك أو أثر ذلك أو أثر تقْدِيسهم النار، يظهر في إيقادهم للنار عند أحلافِهم، واستمطارهم السماء، وتقديم القرابين إليها. ويقال: إن المَجوسية كانت متفشّية في تَميم، وعُمان، والبحرين، وبعض القبائل العربية. نجد أيضاً إلى جِوار عبادة النباتات والجمادات والطَّير والحَيوان، عِبادة النجوم والكواكب، مظهر التثليث في العبادة، عبادة النار.
وعبادة الأصنام، وهي العبادة الشائعة عند العرب، الأصنام والأوثان، وفَرْقٌ بين الصَّنَم والوََثَن: "الصَّنَم": هو التمثال الذي يصنع على هيئة بَشَر أو نَبَات أو حَيوان أو ما إلى ذلك، هذا هو الصَّنَم.
أمّا "الوَّثَن": فهو حَجَر يأخذه العَربيّ أو البَدوي طبعاً في العَصْر الجاهلي ويتخذ منه رَمْزاً للعِبادة. وكانت عِبادة الأصنام منتشرة بين العرب انتشاراً واسعاً، قد صوَّروها أو نَحتوها رَمزاً لآلهتِهم. وقد يَرون في بعض الأحجار والأشجار والآبار ما يَرمز إليهم. فالعُزَّى كانت لغَطفان، وهي شجرة وقد قَطعها خالد بن الوليد، وكان مِن مأثوراته أنه قال:
يا عُزى كُفْرانك لا سُبْحانك
إني رأيت الله قدْ أهانك
منْ هُم المشركون؟ هم الذين كانوا يعبدون الأصنام ويقولون: ما نعبدهم إلاّ ليقرِّبونا إلى الله زلفى، أي: كان منهم فريق يعرف الله ولكن كان يشرك مع الله آلهة أخرى، ولذلك قال الحق -سبحانه وتعالى-: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى}، ثم يقول سبحانه: {وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً}.
إذاً، ينْشأ سُؤال: ما أشهر الأصنام التي كان يعبدها العرب؟ وهذا الذي نقوله يظهر في شِعْر الجاهليين أيضاً، ومن لا يدرس حياة العرب الدينية أو الاجتماعية أو الثقافية، دراسة موسعة ومستقْصية، لن يعرف كيف يفكّ رموز الكلمات، أو رموز بعض الإشارات في أبيات الشِعْر الجاهلي. من الأصنام التي كان يعْبدها العرب: "اللات" وكان معْبَدها في الطائف، وكانت عبادة "اللات" شائعة بين العَرب الجَنوبيِّين، وفي الحجاز، ويقال: "إنه كان صَخرة مربّعة بيضاء، بَنَت عليه ثَقيف بيتاً. وكانت قريش وجَميع العرب يعظِّمونه"؛ ولذلك سَمّوْا بـ"وهب اللات" و"عبد شمس" مثلاً.
"مناة" و"العُزَّى". وكانت "مناة" صخرة منصوبة على ساحل البحر بين المدينة ومكة، ولها مكانة. وأيضاً نَجِد "وَد" وكان من الآلهة الجنوبية ويؤلّه مع "اللات" و"العُزَّى". وربما تأثروا في هذه العِبادة بما يشاع عند المَسيحيِّين والنَّصرانيِّين. وكان هذا "وَد" صنمه بدَومة الجَنْدل. أيضاً هناك "سُواع" وهذا كان صنم هُذَيل وكِنانة. وأيضاً "يَغُوث" و"يعوق" و"نسر". وكان هناك أيضاً بعض القبائل وضعت أشكالاً وتماثيل، أشكالاً لهذه الأصنام؛ فكان "ود" على صورة "رجل"، و"سُواع على صورة "امرأة"، و"يَغُوث" على صورة "أسد"، و"يعوق" على صورة "فرس"، و"نسر" على صورة "النسر" من الطير. ومن أصنامهم أيضاً "هُبَل"، وهُبَل كان من عَقيق أحمر على صورة إنسان مكْسور اليد اليُمنى، وقريش جعلتها له من ذهب. ولكن هذه الأصنام كلها بمجيء الإسلام كُسِّرت وأزيحت ولم يَعُد منها قليل. ويقال: كان حول الكعبة في فتح مكة ثلاثمائة وستون صنماً، والمصطفى -صلى الله عليه وسلم- أزاحها وأزالها حين نشر رسالة التوحيد في مكة المكرمة، وفي الجزيرة العربية، بل وفي العالم كلّه. ومن أصنام قريش أيضاً المشهورة: "إساف" و"نائلة"، ولهما قصة تشبه الأسطورة، يقال: إنهما كانا شخصيْن أتيا أعمالاً مُسيئة فمُسِخا حَجَرين، وبعد ذلك عبدهما الناس، ومنها "رضا" و"تيم" و"شمس"، إلى آخر هذا كله. فنجد هذه الأصنام كلها انتشرت عند الجاهليين وكان لها أثر في شِعْرهم وفي نَثْرهم.
[b][/b]