القرآن : هو النور الذي يملأ قلب المؤمن فيضيء له حياته ، وينوّر له دربه ، وكل شيء سوى القرآن ظلام ، فهو يُبدّد الظلمات التي تُخيِّم على القلب فيُضيء عواطفه، والتي تتراكم على العقل فيفتح أفكاره، وتحيط بالروح فينعش أشواقها، وتحدق بالحياة، فيكشف لنا طريق حركتنا فيها: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) (المائدة/ 15).
(الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم)
قوله تعالى : (مثل نوره) أي : مثل نور الله تعالى في قلب المؤمن ، وهو النور الذي يهتدي به ، كما قال تعالى: (فهو على نور من ربه) (الزمر - 22 ) ، وكان ابن مسعود يقرأ : ) مثل نوره في قلب المؤمن ( . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : مثل نوره الذي أعطى المؤمن . وقال بعضهم : الكناية عائدة إلى المؤمن ، أي : مثل نور قلب المؤمن ، وكان أبي يقرأ : )مثل نور من آمن به) ، وهو عبد جعل الإيمان والقرآن في صدره . وقال الحسن وزيد بن أسلم: أراد بالنور القرآن
وقال الحسن وابن زيد هذا مثل القرآن ، فالمصباح هو القرآن فكما يستضاء بالمصباح يهتدى بالقرآن ، والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة فمه ولسانه والشجرة المباركة شجرة الوحي ، ((يكاد زيتها يضيء )) تكاد حجة القرآن تتضح وإن لم يقرأ ، نور على نور : يعني : القرآن نور من الله - عز وجل - لخلقه مع ما أقام لهم من الدلائل والأعلام قبل نزول القرآن ، فازداد بذلك نورا على نور.
قال ابن عباس : هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار ، فإذا مسته النار ازداد ضوءا على ضوئه ، كذلك يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ونورا على نور وقال السدي : نور الإيمان ونور القرآن.
القرآن الكريم كتاب هداية للخلق جميعًا، ختم الله تعالى به ما سبقه من الكتب وأودع فيه ما يحتاجه الخلق لإصلاح حياتهم، عقيدة وشريعة وآدابًا وسلوكًا، فكان حقًا نورًا مضيئًا، أنار للناس طريقهم نحو السعادة الحقَّة واستضاءت به الدنيا بعد الظلمات، واستنارت به العقول بعد الجهالة ، قال تعالى
وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً) فأخبر الله تعالى الناس عمومًا،أنه قد جاءهم الحق من ربهم وأنهم قد جاءتهم البراهين القاطعة التي تقيم عليهم الحجة وتوضح لهم المحجة بما بعث به نبيه محمد وشرع به شرعه القويم، والنور المبين هو القرآن الكريم لوقوع نو ر الإيمان في قلوب أهله ، ولكونه سببًا في إخراج الناس من ظلمات الكفر والضلال والجهل إلى نور الإيمان والهداية والعلم واليقين ، فهو نيّر بنفسه منير لغيره، كالنور الحسي.
آداب حامل القرآن الكريم:
1- موعظة عمر بن الخطاب لقراء القرآن : بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر إلى عبد الله بن قيس ومن معه من حملة القرآن. سلام عليكم، أما بعد: فان هذا القرآن كائن لكم أجرا وكائن لكم شرفا وذخرا، فاتبعوه ولا يتبعنكم؛ فانه من اتبعه القرآن زخ في قفاه حتى يقذفه في النار، ومن تبع القرآن ورد به القرآن جنات الفردوس، فليكونن لكم شافعا إن استطعتم ولا يكونن بكم ماحلا، واعلموا أن هذا القرآن ينابيع الهدى وزهرة العلم، وهو أحدث الكتب عهدا بالرحمن، به يفتح الله أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا. أخرجه ابن زنجويه
2- قال ابن مسعود (رضي الله عنه)) : ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذ الناس نائمون ، وبنهاره إذ الناس مفطرون ، وبحزنه إذ الناس يفرحون ، وببكائه إذ الناس يضحكون ، وبصمته إذ الناس يخوضون ، وبخشوعه إذ الناس يختالون) .
3- وقال الحسن البصري (رحمه الله)): إنَّ من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم ، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار ).
4- وقال النووي (رحمه الله)): ليكن على أكمل الاحوال وأكرم الشمائل ، ويرفع نفسه عن كل ما نهى القرآن عنه ، ويتصون عن دنيء الاكتساب ، وليكن شريف النفس عفيفا ، متواضعا للصالحين وضعفة للمسلمين ، متخشعاً ذا سكينة ووقار).
5- وقال ابن عبد البر (رحمه الله)) : وحملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله ، المعظمون كلام الله ، المُلبَسون نور الله ، فمن والاهم فقد والى الله ، ومن عاداهم فقد استخف بحق الله تعالى).
ثمرة حامله في الدنيا وعلى الصراط:
يقول ابن القيم (رحمه الله تعالى) عن هذه الآية
(أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها)
وهذه الآية تتضمن أموراً منها :
- أنه يمشي في الناس بالنور وهم في الظلمة فمثله ومثلهم كمثل قوم أظلم عليهم الليل ، فضلوا ولم يهتدوا للطريق ، وآخر معه نور يمشي به في الطريق ويراها ويرى ما يحذره.
-أنه يمشي فيهم بنوره ، فهم يقتبسون منه لحاجتهم إلى النور.
- أنه يمشي بنوره يوم القامة على الصراط إذا بقي أهل الشرك والنفاق في ظلمات شركهم ونفاقهم.
إبتعد عن الدروب المظلمة ويمم وجهك شطر القرآن الكريم ، ولنجعل نفوسنا ملأى بالثقة واليقين بأنه طريق النجاة والسعادة.
نعم ، ثق بأنك تريد أن توثق الصلة بينك وبين خالقك ، من خلال توثيق الصلة بينك وبين كتابه الكريم ، وهو طريق التكريم والتشريف والسمو والرفعة ، وأنك على نور من الله ، فلتقتبس منه صباح مساء ، ولتضئ به حياتك وحياة الآخرين.