صعوبة علاج الأمراض السرطانية تكمن في ارتفاع سمية الأدوية المستخدمة وعدم انتقائيتها، أي أنها في كثير من الأحيان تقتل الخلايا السرطانية ومعها السليمة، لذلك نلحظ إن المريض المستخدم لها يعاني ضعفا شديدا واضطرابات صحية حادة، لذا ركز الباحثون على آلية لإيجاد أدوية تذهب فقط إلى الخلايا السرطانية وتترك الخلايا السليمة، وكان من المحاولات الجدية استخدام أجسام مناعية خاصة monoclonal antibodies موجهة لأحد المستقبلات أو الأنزيمات المهمة في انتشار السرطان ونموه، أو تقوم بتحفيز الجهاز المناعي ضد الخلايا السرطانية، وقد ساعدت هذه الطريقة على زيادة الفاعلية العلاجية خصوصاً مع بعض سرطانات الدم وسرطانات القولون، وأصبح المصاب يعيش مدة أطول وكذلك بأعراض جانبية محددة، فعلى الرغم من النتائج الجيدة، ما زالت تحتاج إلى كثير من التطوير حتى ينجح تأثيرها في الأنواع الأخرى من السرطانات.
أما التقنية، التي نحن بصددها وقد تكون بديلاً أو مرادفاً لاستخدام الأجسام المناعية، فهي توصيل الأدوية السرطانية الكيمياوية باستخدام تقنية النانو، وتتلخص تلك التقنية في استخدام كرات صغيرة جداً (جزء من مليار من المتر)، وتحتوي تلك الكرات على آلاف من الثقوب الصغيرة حجمها يصل 20-60 نانو متر، لذا يمكن وضع الدواء الكيميائي في تلك الكرات الصغيرة. وشهد هذا العام ظهور عديد من بعض النتائج المبدئية لتلك التقنية الواعدة، فعلى سبيل المثال لا الحصر نشرت مجلة الناشونال أكاديمي للعلوم في بداية هذا الشهر مقالا من جامعة كامبرج البريطانية، وجد فيه من خلال دراسة على خلايا سرطانية معملية مأخوذة من الثدي والرئة والرحم، أن سمية دواء السسبلاتين Cisplatin على الكلى تقل كثيراً بتحميل الدواء في أجسام نانونية مصنوعة من البلاتين وتبين أيضاً فاعليه جيدة ضد تلك الأنواع السرطانية المختلفة، ومن أهم النجاحات في ذلك المجال هو ما توصل له علماء في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس بالتعاون مع معهد كاليفورنيا لتقنية النانو (أسس في عام 2000 م) (حسب تصريح الفريق البحثي منذ أسبوع) أنه باستخدام أجسام نانونية من مادة السيليكا Mesoporous silica nanoparticles (اكتشفها علماء يابانيون سنة 1990 م لأغراض غير طبية) والمحتوية على آلاف من الثقوب الصغيرة تم تحميل دواء مضاد للسرطان لا يمكن إعطاؤة مباشرة (لارتفاع سميته) بالأجسام النانونية وإعطائها لفئران صغيرة تحتوي على سرطانات مزروعة من ثدي إنساني مصاب بالسرطان. وقد وجد أن تلك الطريقة المتمثلة بحقن الأجسام النانونية المحملة بالدواء قد تركز بالكلية في مكان الورم السرطاني وأدت إلى ضموره بدرجة عالية. كما تبين أن تلك الأجسام النانونية قد غادرت مكان السرطان بعد تفريغ حمولتها من الدواء المضاد للسرطان وخرجت عن طريق البول والبراز خلال أربعة أيام من حقنها، ولم يُلحظ أي أعراض جانبية. والباحثون الآن بصدد تطوير دقة وصول الأجسام النانونية للخلايا السرطانية وذلك بلصق بعض الإشارات الجينية على تلك الأجسام، وتجريب تلك الطريقة على أنواع مختلفة من السرطانات. والسؤال المطروح: متى تستخدم تلك التقنية في علاج الأمراض السرطانية في الإنسان؟ هذا بالطبع يحتاج إلى دراسة سميتها على حيوانات التجارب وبعدها تجرب على حالات محددة من المرضى المصابين بالسرطان ثم تقوم هيئة الدواء والغذاء الأمريكية بتقييم تلك النتائج وجدوى تلك التقنية، ولنا لقاء في مقال آخر عن استخدامات تقنية النانو في المجالات الطبية الأخرى.