بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أحمده والتوفيق للحمد من نعمه وأشكره والشكر كفيل بالمزيد من فضله وكرمه وأستغفره من الذنوب التي توجب زوال نعمه وحلول نقمه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
إله حكم فعدل
وأعطى فأجزل
واحد بلا عدد قائم بلا عمد
عز كل ذليل وقوة كل ضعيف وغنى كل فقير ومفزع كل ملهوف
من تكلم سمع نطقه ومن سكت علم سره ومن عاش فعليه رزقه ومن مات فإليه منقلبه
قال عز وجل: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ18/يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ19/وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله سيرته خير سيرة وعترته خير عترة وشجرته خير شجرة نبتت في حرم وبسقت في كرم هو الامي الذي علم المتعلمين واليتيم الذي بعث الأمل في قلوب البائسين والهادي الذي قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط ومعترك الأمواج إلى شاطئ الله رب العالمين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه الإمام مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو يعلم المؤمِن ما عند الله من العقوبة ما طمِع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد
قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : " إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب
فعطية الإيمان هي أغلى العطايا، ومن سُلبها فلا تنفعه الدنيا بما فيها من زخارفها ولذاتها وشهاواتها، كلها شر وبال عليه، قال بعض السلف حاكيا هذه الحال من وجد الله فماذا فقد؟!! ومن فقد الله فماذا وجد
اي والله صدق، إنك إن وجدت الله ابتداء في تضرعك ومناجاتك وأنست بذكره وطاب قلبك بشكره، فتلك الجنة..جنة الدنيا في حد ذاتها!
ولكن إن استوحشت من الله، وأنست بالبشر وغاب عنك ذكر رب البشر، فأي بلية هي بليتك وأي مصاب هو مصابك، إنه لعمر الله المصاب الجلل! قال ابن القيم رحمه الله: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب
إن نعمة الإيمان والإسلام هي أغلى ما امتن الله به على عبيدها، وليس يستغني عنها من الخلق أحد مهما كان عنده من النعم،
فلكل نعمة عوض وبديل...إلا الله وآياته وذكره فلا بديل له..
من كل شيءٍ إذا ضيّعته عوض ...وما من الدين إن ضيعت من عوض
وفي الباب حديث عظيم رقراق رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا بن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا بن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط
من هنا قال بعض السلف:" يا بني! ما خير بعده النار بخير, وما شر بعده الجنة بشر, وكل نعيم دون الجنة محقور, وكل بلاء دون النار عافية"
أقول كلامي هذا بين يدي ذكري لنعمة البصر، وذلك حتى نعطي كل شيء حقه، ونقدر كل نعمة بقدرها، فلا نتعجل لذة فانية، ولا نتنكب سبيل جنة عالية
إن العاقل اللبيب، الذي يعلم أن أغلى النعم التي امتن الله بها عليه هي نعمة الدين، نعمة الذكر، نعمة الأنس بالله، ليعلم علم يقين أن سائر النعم سواها ماهي إلا وسائل أتاحها الله عز وجل لعباده ليؤدوا الغاية العظمى والسبيل الأرشد، ألا وهو عبادة الله تعالى، قال عزوجل: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ والانسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) قال ابن عباس معنى يعبدون يُوحِّدُون
فالأصل لخلق الجن والانس جميعهم هو تحقيقهم توحيد الله عز وجل وما يقتضي ذلك، والخلق يشمل تدبير الأمور والاكرام بشتى النعم قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)
وقال تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ21الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)
قال ابن كثير: (الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة)
فمما تقدم يتبين لنا أن النعمة إن لم نستخدمها في تحقيق هذا المقصد الأعظم فهي فتنة، قال تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)
وقال تعالى: (أَيَحْسِبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ(55)نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ)
************************************************** *
وسيتكون بحثي هذا من العناصر التالية:
أولا: نعمة البصر ما جاء فيها من الآثار القرآنية، وما تفسير علماء الطب للبصر والرؤية (لتعظيمها في النفوس ومعرفة قدرها وأن لكل إنسان مبصر وقفة أمام الله عز وجل يسأله فيها عن تلك العينين ما أبصر بهما)
ثانيا غض البصر، ماهو؟ ماذا يترتب عليه؟ ما الوسائل المعينة على غض البصر؟
وفيه تناولت أحكام النظر
وملخص الوسائل، أولا إقامة أركان العبودية الثلاثة في القلب، فهي أول معين على غض البصر
ثانيا احتساب ما ورد في غض البصر من آثار ربانية
ثالثا سد الذرائغ
وأخيرا تناولت خاتمة وهي في هيئة الوصايا
فأسأل الله عز وجل أن ينفعني وإياكم بهذا الكلام وأن يوفقنا لطاعته إن ولي ذلك والقادر عليه
نعمة البصر
لا يشك عاقل أن من أجل النعم التي امتن الله بها على عباده ليطيعوه بها ويستعينوا بها على عبادته ويشكروه عليها، هي نعمة البصر، لما تعود به هذه النعمة على الانسان من تيسير لسبل الحياة، والعيش بهدوء وطمأنينة وسعادة، لا يشوب حياته ما يعكرها، على عكس من نقص بصره أو انعدم
ولذلك امتن الله على عباده بهذه النعمة العظيمة في مواطن كثيرة من القرآن والسنة لعظمها وكثرة منافعها، وقوة دلالتها على خالقها، فالمبصر يعرف ربه بديع السماوات والأرض ويعرف ربه البصير ويعرف ربه الحفيظ ويعرف ربه الكريم، إلى غير ذلك من أسماء الله وصفاته التي تحق على المبصر بها الحجة البالغة
<وقال تعالى: (َاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:
) .
وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (المؤمنون:
)
وقال تعالى : ( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (السجدة:9)
وقال تعالى : ( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (الملك:23) ، وشكر هذه النعمة من أوجب الواجبات على العبد ، حيث لا يكافئها عمل الليل والنهار وإن بلغ خمسمائة عام ، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( خرج من عندي جبريل آنفا فقال : يا محمد ، إن لله عبداً عبد الله خمسمائة سنة ، على رأس جبل ، والبحر محيط به ، وأخرج له عيناً عذبة بعرض الأصبع ، تفيض بماء عذب ، وشجرة رمان تخرج كل ليلة رمانة ، فيتغذى بها ، فإذا أمسى نزل وأصاب من الوضوء ، ثم قام لصلاته ، فسأل ربه أن يقبضه ساجداً ، وأن لا يجعل للأرض ولا لشيء يفسده عليه سبيلاً حتى يبعث ساجدا ، ففعل فنحن نمر به إذا هبطنا وإذا عرجنا وأنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله فيقول : أدخلوه الجنة برحمتي ، فيقول : بل بعملي يا رب ، فيقول للملائكة : قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله ، فتوزن ، فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمسمائة سنة ، وتبقى نعمة الجسد فضلا عليه ، فيقول : ادخلوه النار ، فينادي : يا رب برحمتك ، فيقول : ردوه ، فيوقف بين يديه ، فيقول : من خلقك ولم تك شيئا ؟ ، فيقول : أنت يا رب ، فيقول : أكان ذلك من قبلك أم برحمتي ؟ ، فيقول : برحمتك ، فيقول : أدخلوه الجنة برحمتي ) رواه الحاكم في " المستدرك " والحكيم الترمذي في " النوادر " .>(1)
ويقول علماء الطب في هذه النعمة الجليلة أنها من أجل النعم وذلك لما تتوفر في حد ذاتها على إعجازات توحد الخالق عز وجل، ومن ذلك ما ذكروه أن البصر لا يكون إلا بعمل ثلاثة أعضاء ألا وهي العين والعصب البصري، والمخ أخيرا فالعين تنقل الصورة للعصب البصرى الذى ينقلها للمخ (مركز الابصار)فتترجم الصورة
والعين، هذا العضو العظيم، الذي فيه من الأسرار ما يذهل العقول، فإنه لما يسقط النور على أي شيء مرئي فإنه تنعكس عنه مرة أخرى إشعاعات تجعله قابلا لننظر إليه بأعيننا. وبعد انعكاسها على العين فإنها تخترق طبقة شفافة تسمى :القَرَنِيَّةَ، ثم تخترق هذه الأشعة الحدقة وهي المعروفة بـ"بؤبؤة العين" وهذه في إعجاز عجيب، أن تنفتح وتنغلق حسب الإشعاع الوارد إليها حتى لا يُفسدَ النور الكثير الجهاز الداخلي للعين،
ففي حالة إشعاع قوي، فإن الحدقة تصبح هلالية مانعة لهذا الدخول العشوائي للأشعة فتنظمها، لذلك تراها أكثر انفتاحا في الليل منها في النهار
فسبحان الذي أحسن كل شيء خلقه..وبعد ذلك تمر الأشعة إلى عدسة العين حيث تعمل على تجميعها ثم تمر بالسائل الزجاجي الشفاف الموجود داخل العين وأخيرا تسقط الأشعة على الشبكية حيث توجد فيها الخلايا العصبية والأوعية الدموية.
تقوم النهايات العصبية بتنبه العصب البصري الذي عن طريقة يتم نقل الصورة إلى الدماغ (المراكز البصرية في الدماغ حيث يقوم بتفسيرها إلى صورة كل هذا في اقل من اللحظة.
إن هذا العضو العظيم لمدعاة للتأمل والتفكر فيه، واستخدامه في طاعة الله عز وجل
قال سفيان الثوري رحمه الله: إذا أطعمت الحمار فكُدّ عليه أي أجهده ف العمل، مشبّها الإطعام بنعم الله، ومشبها نفسه بالدابة فانظروا يا رعاكم الله إلى هضمه لأنفسهم واستحقارهم لها.
قاله لما أكل ثم أقبل على الصلاة، فلا يعد شاكرا للنعمة إلا من استخدمها في طاعة الله ولله ذر من لخص القاعدة في قوله: رُبَّ مُستَدرج بنعم الله عليه وهو قائم على معاصيه..
فالنعمة إن لم تُستَخْدَم في طاعة الله فهي استدراج عافاني الله وإياكم آمين
ولا يعرف عظمها وجلالة قدرها إلا من وفقه الله لذلك أو فقدها والله المستعان، هكذا نحن أغلبنا لا يعرف النعمة إلا عند فقدها، وقد هممت بأن أقوم باستجواب أستجوب به بعض من فقدها وأرفعه إلى النت، لولا أن انشغلت، والله المستعان ولعلي أفعلها في مرة أخرى، فإن سماعك لمن فقد نعمة أنت تنعم بها لهو من الزواجر في القلب عن نسيانها وعن إغفالها
إن معاينتك لمن فقد بصره، وسماعك منه، ليجعلك تشكر الربّ الرحيم الودود الذي تودد إليه بنعمة البصر، وتحبب إليك بها، فهل يلاقي منك هذا كرما ومروءة تخولاك أن تشكرها وتعبد الله بها وتستحي من المنعم؟!
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ6/الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَّكَ7/فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ
سورة الانفطار
وقال الشاعر:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ** وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا
كان سيد الأنام صلّى اللهُ عليه وسلم أكثر الناس شكرا لهذه النعمة، وكان يكثر أن يقول في أذكار الصباح والمساء: (اللهم عافني في بدني, اللهم عافني في سمعي ,اللهم عافني في بصري , لا إله إلا أنت , اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وأعوذ بك من عذاب القبر، لا إله إلا أنت)
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء كما هو شأنه صلى الله عليه وسلم أن يسأل الله العافية ويعلمنا أن نسأل الله العافية، فذلك أدعى أن نعرف نعمة الله فنشكرها.
يتبع؛؛
والآن
بعد طول هذا الكلام، نمر إلى أهم جزئية ..غض البصر، ماهو؟ ماذا يترتب عليه؟ ما الوسائل المعينة على غض البصر؟
<قال الشوكاني :
1] إطباق الجفن على العين بحيث تمتنع الرؤية ومنه قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير *** فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وقول عنترة :
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي *** حتى تواري جارتي مأواها
ومن في قوله (من أبصارهم )هي التبعيضية وإليه ذهب الأكثرون وبينوه بأن المعنى غض البصر عما يحرم والاقتصار به على مايحل وقيل وجه التبعيض أنه يعض للناضر أول نظرة تقع من غير قصد ، وقال الأخفش إنها زائدة وأنكر ذلك سيبويه ، وقيل إنها لبيان الجنس قاله أبو البقاء واعترض عليه بأنه لم يتقدم مبهم يكون مفسرا بمن ، وقيل إنها لابتداء الغاية قاله ابن عطية .
2] وقيل الغض :النقصان يقال غض فلان من فلان أي وضع منه فالبصر إذا لم يمكن من عمله فهو مغضوض منه ومنقوص فتكون من صلة للغض وليست لمعنى من تلك المعاني الأربعة . ا.هـ فتح القدير 4 / 22 >(2)
أحكام النــــظر
والنظر له أحكام متعددة تتغير بحكم تقلبه، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في المدارج:
قال :
1] أما النظر الواجب : فالنظر في المصحف وكتب العلم عند تعين تعلم الواجب منها ، والنظر إذا تعين لتمييز الحلال من الحرام في الإعيان التي يأكلها أو ينفقها أو يستمتع بها والأمانات التي يؤديها إلى أربابها ليميز بينها ونحو ذلك .
2] والنظر الحرام : النظر إلى الأجنبيات بشهوة مطلقا وبغيرها إلا لحاجة كنظر الخاطب والمستام والمعامل والشاهد والحاكم والطبيب وذي المحرم .
3] والمستحب : النظر في كتب العلم والدين التي يزداد بها الرجل إيمانا وعلما ، والنظر في المصحف ووجوه العلماء الصالحين والوالدين ، والنظر في آيات الله المشهودة ليستدل بها على توحيده ومعرفته وحكمته .
4] والمكروه : فضول النظر الذي لا مصلحة فيه فإن له فضولا كما للسان فضولا وكم قاد فضولها إلى فضول عز التلخص منها وأعيى دواؤها،وقال بعض السلف:كانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام.
5] والمباح : النظر الذي لا مضرة فيه في العاجل والآجل ولا منفعة . ا.هـ
يتبع؛؛
الوسائل المعينة على غض البصر
إنني أمام هذه الجزئية لأقف حائرا؛ من أين أبدأ وماذا سأقول وإن غض البصر قد بلغ من درجات الطاعات مبلغا عظيما، لا يتأتى إلّا لطائع مخلص وفقه الله..فماذا عسى الأسباب تجدي..إن لم يتوجها الكريم بتوفيق منه عز وجل
إِذَا لمَ ْيَكُن عَوْنُ مِنَ اللهٍِ لِلْفَتَى **فَأَوَّلُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ
لذلك فوالله لن تتقرب شبرا، ولن تطيق عن إطلاق النظر صبرا، إن لم يكن لك من الله عونُ وتوفيق وتسديدا وتصبير
إن الملجأ الأول، والمسلك الأوحد، هو الله عز وجل، والله لن تتوقف عن مصية مهما كانت إلا إذا وفقك الله لتركها
قال تعالى:
..وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ7 من سورة الحجرات
لذلك فأول مسلك هو تحقيق أول أركان العبودية وهي قائمة على ثلاثة دعائم كما ذكرها أهل العلم
أولا المحبّة، ثانيا الرجاء، ثالثا الخوف
والدليل قوله تعالى: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ/الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ/مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ
فالحبّ يدل عليه قوله تعالى الحمد لله رب العالمين، أي الحمد كل الحمد لله رب العالمين الذي ربّاني وربى جميع العالمين بنعمه وهو معبودي ليس لي معبود سواه
رب العالمين، الذي تكفلا فضلا بالانعام علينا بوافر النعم والتوفيق لسائر الطائعات، ثم يثيب عليه الجزيل من الحسنات
فأهل هو أن يعبد وأهل هو أن يحمد وهو على كل شيء قدير.
فإله أكرمك وأنعم عليك كيف تخول لك نفسك الأمارة بالسوء باستبدال رضاه وحبه لك بنظرة عابرة ..والأدهى..أنك تستخدم نعمته في معصيته
فإذا ما راودتك نفسك، فتذكر حبه لك وإكرامه لك، فقد يكون هذا زاجرا لك عن فعلها وعن النظر في محارمه.
فإن لم ينفع معك هذا، فتذكر رجاءك فيما أعده سبحانه للطائعين المجتنبين لمعصيته، قال تعالى: (الرحمن الرحيم) فهو الذي وعد عباده يالأجر الجزيل إن هم ابتعدوا عن معاصيه وأقبلوا على طاعته، وعد بمن ترك شيئا له أن يعوضه خيرا منه، ومن ترك النظرة الحرام لأجله، عوضه نورا في قلبه وفراسة وتوفيقا إلى الخيرات
فإن لم ينفع معك هذا في ترك هذه المعصية فدونك إذن قوله تعالى : (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) تذكر أن لك بين يديه وقفة، تشيب لها الولدان، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هو بسكارى ولكن عذاب الله شديد
قال تعالى:
وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ18/يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ19/وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ20 سورة غافر
مَثِّل وُقُوفَكَ يَوْمَ الحَشْرِ عُرْيَانَا **مُسْتَعْطِفًا قَلِقَ الأَحْشَاءِ حَيْرَانَا
النار تزفُرُ من غيْظٍ ومِنْ خَنَقٍ ** عَلى العُصاةِ وتَلْقى الربَّ غَضبانا
اقْرَأ كتابَك عبدي على مهَلٍ ** انظُر إِليْه تَرى هل كانَا ما كَانا
لَمّا قرَأتُ كِتَابًا لا يُغَادِرُ لي حرْفًا ** وَمَا كَانَ في سرٍّ وإعلانا
نادى الجليلُ خُذُوه يا ملائِكتي ** مروا بعَبدِي إلى النيرانِ عَطْشَانا
هذه أول مسالك النجاة، تحقيق العبودية، وتحقيق التوحيد، حينها..حينها والله ينمو الإيمان في القلب، ويكبر الزاجر عن المعاصي، حينها، يقبل الانسان على ربه، لهذا كان التوحيد أعظم العلوم على الإطلاق وأفضلها لتعلقه بأشرف معلوم وهو الله عز وجل ولأنه الموصل إلى معرفته سبحانه والتي بدورها تنمي حس المراقبة في القلب
وبعد تحقيق المراقبة والتوحيد في القلب، لابد من توفير أسباب لغض البصر
ومن ذلك؛
1) احتسابُ طاعة الله عز وجل لما قال في سورة النور : قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
تحتسب أنك تطيع الله لتنال منزلة الفائزين قال تعالى: وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ
وقال تعالى: وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
وقال تعالى: وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا
وقال تعالى: وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا69/ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا70
إن التالي لهذه الآيات ومثيلاتها لَيَكْبُرُ في قلبه الوازع والزاجر عن ارتكاب المعاصي والمنكرات، لذلك، فإن الملجأ بعد توحيد الله، كثرة تلاوة كتابه لتقوية هذا التوحيد، وتقوية الزاجر في القلب لترك هذه المعصية وهذه الظلمة وفقني الله وإياكم لكل خير آمين
2) احتساب الجنة في تارك النظرة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أمامة: (اكفلوا لي بست أكفل لكم الجنة إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا وعد فلا يخلف وإذا اؤتمن فلا يخن وغضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم وكفوا أيديكم) حسنه الألباني رحمه الله.
3) احتساب نور القلب وصحة الفراسة : يقول ابن القيم رحمه الله:قال أبو شجاع الكرماني : من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وكف نفسه عن الشهوات وغض بصره عن المحارم واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة .
وقد ذكر الله سبحانه قصة قوم لوط وما ابتلوا به ثم قال بعد ذلك {: إن في ذلك لآيات للمتوسمين } [الحجر : 75 ] وهم المتفرسون الذين سلموا من النظر المحرم والفاحشة ، وقال تعالى عقيب أمره للمؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم : { الله نور السموات والأرض ) [النور: 35 ] .
وسر هذا : أن الجزاء من جنس العمل فمن غض بصره عما حرم الله عز وجل عليه عوضه الله تعالى من جنسه ما هو خير منه فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه فرأى به ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضه عن محارم الله تعالى . وهذا أمر يحسه الإنسان من نفسه فإن القلب كالمرآة والهوى كالصدأ فيها فإذا خلصت المرآة من الصدأ انطبعت فيها صور الحقائق كما هي عليه وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومات فيكون علمه وكلامه من باب الخرص والظنون . ا هـ
ويقول أيضا في موضع آخر: ويتفرع عن هذه الثمرة أن نور القلب وإشراقه يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه
4) احتسابُ حِفظ المسلمين في اعراضهم بأن تحفظ بصرك عن نسائهم، فإن بنظرك في عورات المسلمين فإنك خائن لجماعة المسلمين بقدر استباحتك للنظر في عوراتهم، وكذا فإن الحافظ لبصره، ساد لثغر من ثغور الامة، غيور على حرماته أمته.
5) احتساب صلاح قلبه، فلا يبيع صلاح قلبه، بنظرة عابرة ولذة فانية قال ابن القيم رحمه الله : وبيان ذلك : أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما عن الآخر وإن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده فإذا فسد القلب فسد النظر وإذا فسد النظر فسد القلب وكذلك في جانب الصلاح فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ فلا يصلح لسكني معرفة الله ومحبته
6) ومن أكبر الدواعي لغض البصر، ما قاله الفضيل رحمه الله: (مَا يُؤَمِّنُكَ أَن تَكُونَ عَمِلتَ عَمَلًا مَقَتَكَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنتَ تَضْحَكُ) لا تحقر النظر وتَقُل هِي صغيرة، فلعل الله يطلع عليك فيمقتك حال معصيتك، فتقطع دونك سبل التوبة، ويحال بينك وبين قلبك قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
7) تحمي نفسك من عواقبها المرة، وثمرتها الحنظل وعلى رأسها داء التعلق قال ابن القيم رحمه الله: (قال الأصمعي: رأيت جارية في الطواف كأنها مهاة فجعلت أنظر إليها وأملأ عيني من محاسنها فقالت لي :يا هذا ما شأنك قلت :وما عليك من النظر فأنشأت تقول :
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا *** لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر *** عليه ولا عن بعضه أنت صابر
والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية فإن لم تقتله جرحته وهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس فإن لم يحرقه كله أحرقت بعضه كما قيل :
كل الحوادث مبداها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته *** لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
والناظر يرمي من نظره بسهام غرضها قلبه وهو لا يشعر فهو إنما يرمي قلبه ولي من أبيات :
يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا *** أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له *** توقـه إنـه يأتيك بالعطب .)
سد الذرائع، وغلق كل ما يؤدي بك إلى النظر المحرم، ولا تتعلل، ولا تقل ولكن!، بل قل والله لأتركن كل شيء يحول بيني وبين رضى ربي، لعل النظرة تطردك عن التوبة، وما يدريك! فابتعد عن مواطن الفتن، وعن الأسواق، وعن النوادي والجامعات المختلطة، ولا تغرنك غايتك منها، واعلم أن قلبك أغلى ما تملك، فلا تجعله عُرضَة للهجوم والضياع، لأن تحفظ عليك قلبك خير لك من الخير الذي قد يأتيك وراء هذه المصلحة.
9) تجديد التوبة :
• قال شيخ الإسلام : وفى هذه السورة ذكر آية النور بعد غض البصر وحفظ الفرج وأمره بالتوبة مما لابد منه أن يدرك ابن آدم من ذلك 15 / 396
بل قد ذكر الفقهاء أن التوبة من النظر المحرم لا تسقط حتى عن الأعمى لأنه قادر على الندم فيتوب قدر استطاعته.
قال ابن عبد السلام : التوبة مركبة من ثلاثة أركان العزم والندم والإقلاع ، وقد تكون التوبة مجرد الندم في حق من عجز عن العزم والإقلاع فلا يسقط المقدور عليه بالمعجوز عنه كما لا يسقط ما قدر عليه من الأركان في الصلاة بما عجز عنه وذلك كتوبة الأعمى عن النظر المحرم وتوبة المجبوب عن الزنا وهذا مبنى على قاعدة مستفادة من قوله صلى الله عليه وسلم : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم . قواعد الأحكام (3)
نماذج من حياة السلف:
• من آداب النبوة :
عن عبدالله بن بسر رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول السلام عليكم السلام عليكم . رواه ابو داود 5186 و احمد 17730 وصححه الألباني في صحيح الجامع (4638)
• في قصة موسى عليه السلام مع المرأتين :
قال ابن جرير { : إن خير من استأجرت القوي الأمين } تقول إن خير من تستأجره للرعي القوي على حفظ ماشيتك والقيام عليها في إصلاحها وصلاحها الأمين الذي لا تخاف خيانته فيما تأمنه عليه ، وقيل إنها لما قالت ذلك لأبيها استنكر أبوها ذلك من وصفها إياه فقال لها وما علمك بذلك فقالت أما قوته فما رأيت من علاجه ما عالج عند السقي على البئر وأما الأمانة فما رأيت من غض البصر عني ، وبنحو ذلك جاءت الأخبار عن أهل التأويل . تفسير الطبري ج: 20 ص: 63
• عن وكيع قال :خرجنا مع الثوري في يوم عيد فقال :إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا غض البصر . حلية الأولياء 7 / 23
• وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ لِلْحَسَنِ : إِنَّ نِسَاءَ الْعَجَمِ يَكْشِفْنَ صُدُورَهُنَّ وَرُءُوسَهُنَّ قَالَ :اصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُنَّ . رواه البخاري معلقاً بالجزم 5/2299
• عن أبي عمرو الشيباني قال :قال أبو موسى : لأن تمتلئ منخري من ريح جيفة أحب إلي من أن تمتلئان من ريح امرأة . رواه ابن أبي شيبة ج: 4 ص: 6 (17229)
• عن إبراهيم قال :قال عبد الله : لأن أزاحم بعيراً مطلياً بقطران أحب إلي من أن أزاحم امرأة . رواه ابن أبي شيبة ج: 4 ص: 6 (17230) .(4)
خـــاتمة
إن غض البصر عبادة عظيمة تترتب عليها أجور جزيلة، وعدها الله عباده الذين اتقوا، ولعل ما ذُكر أعلاه من الفوائد التي نَقَلتُ مِن كلام العلماء، لَعََّلها تكون زاجرا وواقيا عن قرب هذه الدنية.
وتذكر ما ستحرم نفسك من النعيم جراء إطلاقك بصرك، فاعلم أن الذنوب هي التي تحرم النعم، ولله ذر أقوام جعلوا شعارهم حال غضهم لبصرهم أغض بصري ليزين الله لي زوجي في نظري
ثم تذكر أن البصر الذي تمتلكه هو أمنيـة الكثيرين، الكثير يرون أنك في جنة، يتمنون أن يمسكوا المصحف ويتغنون بكلام ربهم، الكثير يتمنى أن يقلب ناظره في السماء والأرض، فأنت في نعمة عظيمة، وأنت ببصرك أغنى من الغني بأمواله وقصوره فتذكر قوله تعالى
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) وإذا صاحب بصرك بصيرة، فلن يعدلك في العالمين أحد إلا من أوتي مثلما آتاك الله.
وليتذكر الواحد فينا أن جنة الله غالية عالية، فلا نبعها بالثمن الرخيص
وإنه من أعظم الغبن أن يقول اللخ (جنة عرضها السماوات والأرض) ثم لا يكون لنا فيها موضع قدم..هذا والله أعظم الغبن.
فيا من بعث نظره وقَلَّبَه، تذكر أن هذا البصر هو الذي ترجو أن تنظر به إلى وجه ربك الكريــم، ياااه ما أشد حرمانك، وأكثر طغيانك، كيف سويت الأعلى بالحقير، أم كيف رضيت لنفسك بهذه التجارة الكاسدة، وبعت نفسك في هذه الصفقة الخاسرة؛
يا مسكين..تذكر ذلك اليوم الذي قال عنه ابن القيم رحمه الله:
والله لولا رؤية الرحمن في الجنات *** لما طابت لذي العرفانِ
تذكر يومها وأنت أمام ربك ليس بينكما ترجُمان
إذا ما قال لي ربّي أما استحييت تعصيني *** وتخفي الذنب عن خلقي وبالعصيانِ تأتيني
قال ابن القيم رحمه الله
فقدِّمْ فدَتْكَ النفسُ نفسَكَ إنَّها ☆☆ هي الثمنُ المَبْذولُ حين تُسَلّمُ
وخضْ غَمَراتِ الموتِ وارْقَ معارجَ الْـ ☆☆ ـمحبَّةِ في مرضاتِهم تتسَنَّمُ
وسلِّمْ لَهُم ما عاقَدُوكَ عليهِ إنْ ☆☆ تُرِدْ منهُمُ أن يَبْذُلُوا ويُسَلِّمُوا
فما ظفرتْ بالوصْلِ نفسٌ مَهِينَةٌ ☆☆ ولا فازَ عبْدٌ بالبَطالَةِ يَنْعَمُ
وإنْ تكُ قد عاقَتْكَ سُعْدَى فقَلْبُكَ الْـ ☆☆ ـمُعَنَّى رهينٌ في يَدَيْها مُسَلَّمُ
وقد ساعدتْ بالوصل غيرَكَ فَالهوى ☆☆ لها مِنْكَ والواشِي بِها يَتَنَعَّمُ
فدَعْها وسَلِّ النفسَ عنها بِجَنَّةٍ ☆☆ من العِلم في روضاتِها الحقّ يَبسُمُ
وقد ذُلِّلَتْ منها القُطُوفُ فمَنْ يُرِدْ ☆☆ جَناها يَنَلْهُ كيف شاءَ ويَطْعَمُ
وقد فُتِحَتْ أبْوابُها وتَزَيَّنَتْ ☆☆ لِخُطّابِها فالحسْنُ فيها مُقسّمُ
وقدْ طابَ منها نُزْلُها ونَزيلُها ☆☆ فطوبَى لِمَنْ حلُّوا بِها وتنَعَّمُوا
أقامَ على أبوابِها داعِي الهُدَى ☆☆ هَلُمُّوا إلى دارِ السّعادةِ تَغْنَمُوا
وقد غرسَ الرحمنُ فيها غِراسَهُ ☆☆ مِن الناسِ والرحمنُ بالخَلْقِ أعْلَمُ
ومَن يَغْرِسِ الرحمنُ فيها فإنَّه ☆☆ سعيدٌ وإلا فالشَّقاءُ مُحَتَّمُ
لا إله إلا الله
أخي من الناس من يتوب من الكبائر ومن الناس من يتوب من الصغائر ومن الناس من يتوب من الخواطر، ومن الناااس وهو صفوة الصفوة من يتوب من الغفلاات، فانظر أي قدر تريده عند ربك فاختر الصنف الذي تريد أن تكونه.
وأخيرا، أخي يا من لا تقدر إقلاعا على هذا الذنب، اعلم ان لك ربا إذا لامس من قلبك صدقا وفقك ويسر لك، القضية قضية جهاد واجتهاد ثم فتح من العزيز الوهاب
أقبل عليه بصدق المسالة وخضوع القلب وقل قولة صادق يااارب يااارب كره إلي المعصية، واجعلني من الصادقين، يارب لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
واعزم الآن وحاول واصبر، ومن يتصبر يصبره الله، وحاسب نفسك نظرة نظرة، وقلل النظرات في كل فترة، لعل الله يمن عليك يوما ويصون بصرك عن الدنايا والله عند ظن العبد به، فظُنَّ به أنه سيقيك هذه المعصية ويعصمك منها كما منّ على من قبلك وما ذلك على الله بعزيز.
ولا تيئس إذا ما زللت بعد لأن نجاك الله، فربك يحب التوابين قال تعالى:قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
وإذا ما وفقك الله وتركت النظر للغادية والرائحة، فاعلم أنه من توفيق الله وحده، وليس لك فيه حول ولا قوة، فافتقر إله واشكره، وتذكر: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ
هذا، وما كان من صواب فمن الله وحده، وما كان من خطإ أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله من براء
أسأل الله أن لا يجعلنا من المحرومين، ممن آثروا الدنيا على الدين، وأسأله عز وجل أن يجعلنا من المسارعين للخيرات والقربات إنه ولي ذلك والقادر عليه آمين
اللهم صل على محمد وعلى آله محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
وبارك على محمد وعلى آله محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
--------------------------------
(1) نقلا عن مقال للأخ بد بن علي العتيبي بعنوان نصيحة تعين على غض البصر
(2) ،(3)، (4) نقلا عن سلسلة إصلاح المرأة للأخ سامي بن خالد الحمود