أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ، فقيه وإمام من أئمة أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، كما كان إماماً في التفسير وعلم الحديث، وقد عمل قاضياً فعُرف بالعدل والذكاء. وإضافةً إلى العلوم الدينية، كان الشافعي فصيحاً شاعراً، ورامياً ماهراً، ورحّالاً مسافراً. أكثرَ العلماءُ من الثناء عليه، حتى قال فيه الإمام أحمد: «كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس»، وقيل أنه هو إمامُ قريش الذي ذكره النبي محمد بقوله: «عالم قريش يملأ الأرض علماً».
ولد الشافعي بغزة عام 150هـ، وقد مات أبوه وهو صغير، فانتقلت به أمُّه إلى مكة وعمره سنتان، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وحفظ الموطأ وهو ابن عشر سنين، ثم اتجه إلى التفصِّح في اللغة العربية، فخرج إلى البادية ولازم قبيلة هذيل التي كانت أفصحَ العرب، ولما عاد إلى مكة طلب العلم فيها على من كان فيها من الفقهاء والمحدِّثين، حتى أُذن له بالفتيا وهو ابن دون عشرين سنة. ولما سمع الشافعي خبرَ إمام المدينة مالك بن أنس، هاجر إلى المدينة المنورة، فذهب إلى الإمام مالك فقرأ عليه الموطأ حفظاً، ثم لزمه يتفقهُ عليه إلى أن مات سنة 179هـ. ارتحل الشافعي إلى اليمن وعمل فيها بأرض نجران، وقد كان بها والٍ ظالم، فكان الشافعي ينصحه وينتقده، فاتَّهمه الوالي بأنه شيعي علوي، في الوقت الذي كان العباسيون فيه إذا رأوا دعوة علوية قضوا عليها وهي في مهدها خوفاً على حكمهم، فأرسل الخليفةُ هارون الرشيد أن يَحضرَ الشافعيُّ إليه في بغداد، وكان ذلك سنة 184هـ، إلا أن الشافعيَّ نجا من تلك التهمةِ وثبتت براءته. توجه الشافعي بعد ذلك إلى طلب العلم في بغداد، فنزل عند القاضي محمد بن الحسن، وأخذ يدرس فقه العراقيين وهو المذهب الحنفي، وبذلك اجتمع له فقه الحجاز (المذهب المالكي) وفقه العراق (المذهب الحنفي)، وتخرَّج بذلك على كبار الفقهاء في زمانه.
عاد الشافعي إلى مكة، وأقام فيها تسع سنوات تقريباً، وأخذ يُلقي دروسه في الحرم المكي، وأخذ يفكَّر في استخراج قواعدِ الاستنباطِ التي يجب على الفقيه أن يتقيد بها، ثم سافر إلى بغداد للمرة الثانية، فقدِمها سنة 195هـ، وقد قدِم وله طريقةٌ جديدة في الفقه، فقد جاء بالفقه علماً كلياً لا فروعاً جزئيةً، وقواعدَ عامةً لا فتاوىً وأقضيةً خاصةً، وقام بتأليف كتاب الرسالة الذي وضع به الأساسَ لعلم أصول الفقه، فانثال عليه العلماء والمتفقهون، ومكث في هذه القدمة سنتين، ثم عاد بعد ذلك إليها سنة 198هـ، وأقام أشهراً فيها، ثم اعتزم السفر إلى مصر، فرحل إليها سنة 199هـ. وفي مصر، أعاد الشافعي تصنيف كتاب الرسالة الذي كتبه للمرة الأولى في بغداد، كما أخذ ينشر مذهبه الجديد، ويجادل مخالفيه، ويعلِّم طلابَ العلم، حتى توفي في مصر سنة 204هـ.