حلقة (3) :سورة المنافقون وعبد الله بن أُبي بن سلول
يقول تعالى في الآية 8 من سورة المنافقون : { يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }
الحكاية:
نزلت هذه الآية بعد غزوة بني المصطلق حيث خرج المنافقون مع النبي رغبة في الغنيمة لا رغبة في الجهاد فلما انتهت الغزوة وانتصر المسلمون أقبل رجلان لاستقاء الماء أحدهما يُدعى سنان وهو حليف لعبد الله بن أُبي بن سلول كبير المنافقين و الآخر يُدعى جهجاه وهو أجير لعمر بن الخطاب فازدحما على الماء وتشاجرا فلطم جهجاه سنان على وجهه فأدماه فنادى سنان : يا آل الخزرج فأقبلوا ونادى جهجاه آل قريش فأقبلوا وكادت تحدث مجابهة بينهما فأصلح الأمر قوم من المهاجرين فلما بلغ الأمر عبد الله بن أُبي قال وعنده جماعة من المنافقين: والله ما مثلكم ومثل هؤلاء الرهيط من قريش إلا مثل ما قال الأول: سمن كلبك يأكلك آويتموهم في منازلكم وأنفقتم عليهم فقووا وضعفتم ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذل ويريد بنفسه الأعز وبالأذل رسول الله وكان في القوم غلام وهو زيد بن الأرقم فأخبر النبي بالخبر فلما استفهم النبي الأمر من عبد الله أنكره وكذب زيد الحاضرين فنزلت الآية تأييداً له وتكذيباً لعبد الله.
حلقة (4) : سورة الكوثر
يقول تعالى في سورة الكوثر: { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ }
شرح الألفاظ :
الكوثر: هو الخير الكثير الذي أعطاه الله للنبي
انحر: اذبح الذبائح قربى لله
شانئك: مبغضك
الأبتر: الأبتر من الرجال الذي لا ولد له وكل أمر انقطع الخير منه فهو أبتر .
الحكاية:
كان بعض أعداء النبي إذا رأوا أبناءه الذكور يموتون يقولون : بُتر محمد وانقطع نسبه فليس له من يقوم بأمره من بعده وكان هذا التهكم يؤلم قلب النبي فنزلت هذه السورة مواساة له حيث يقول تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) وهو الخير الكثير من النبوة والسنة والسيرة العطرة وإعلاء الذكر وعلو المنزلة ونعيم الآخرة (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فاجعل صلاتك كلها لربك خالصة وانحر ذبيحتك لله وحده فقد كان كفار مكة يجعلون صلاتهم وقرابينهم للأوثان والله سبحانه يريد أن يقضي على الشرك بكافة مظاهره (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) أي أن مبغضك يا محمد هو الأبتر لأنه سيكون منقطع الذكر ولقد صدق الله وعده فانقطع ذكر أعدائه بينما امتدّ ذكر محمد في جميع أرجاء الأرض.
حلقة (5) : سورة المسد
يقول تعالى في سورة المسد: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ }
شرح الألفاظ:
أبي لهب: أحد أعمام الرسول واسمه عبد العزى وكُني بأبي لهب لأن وجنتيه كانتا حمراء كاللهب
وتب: أي هلك
ما أغنى عنه ماله: لم ينفعه ماله
سيصلى ناراً: يدخلها ويقاسي حرها
جيدها: عنقها
حبل من مسد: حبل من ليف أو شعر أو وبر أُجيد فتله .
الحكاية:
أبو لهب هو عم الرسول كان من أكثر المشركين عداوة للرسول على الرغم من قرابته للنبي وكانت امرأته أم جميل –أروى بنت حرب- أخت أبي سيان تحمل الشوك فتطرحه في طريق الرسول وقيل بأنّها كانت تسعى بالنميمة على الرسول فحامل الحطب عند العرب هو الساعي بالنميمة وروي في أسباب النزول عن ابن عباس قال: لمّا نزلت الآية: (وأنذر عشيرتك الأقربين) خرج الرسول للصفا فهتف : (يا صباحاه) فاجتمعوا إليه فقال: (فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد) فقال أبو لهب: تباً لك ما جمعتنا إلا لهذا؟ فنزلت الآيات: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ } أي دعاء عليه بالهلاك والخسران فلم يُغني عنه ماله وولده من عذاب الله شيء وسيدخل نار جهنم { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } وصفها القرآن بذلك تحقيراً لها لأنها كانت تربط حزمة من الشوك في عنقها كما يفعل الحطابون وهي سيدة في قومها وقيل المراد بذلك يوم القيامة حيث يكون في عنقها حبل من النار وقد تحقق وعد الله وخسر أبو لهب ومات ميتة شنيعة بمرضً معدً كالطاعون يُسمى (العدسة) وبقي ثلاثة أيام حتى أنتن فخاف قومه العار فحفروا له حفرة ودفعوه إليها بعود حتى وقع فيها ثم قذفوه بالحجارة حتى واروه وفي هذه السورة معجزة ودلالة على أنّ القرآن وحي إلهي فالكثير من المشركين أسلموا بعد أن لانت قلوبهم للإسلام ولكن المدهش أنّ أبا لهب الذي حكم الله عليه في القرآن بالكفر الأبدي لم يسلم ومات كافراً ليدخل نار جهنم.
حلقة (6) : سورة الممتحنة والتحالف مع المشركين
يقول تعالى في مطلع سورة الممتحنة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } يُروى في أسباب نزول هذه الآيات أن النبي لما عقد العزم على الزحف إلى مكة أمر بتعبئة جيشه ولم يخبر أحداً بما عزم عليه كي لا يشيع الأمر فتعلم به قريش فتستعدّ للحرب والنبي لا يريد حرباً ولا إراقة دم ولكن أحد أصحاب النبي واسمه (حاطب بن أبي بلتعة) كان له أقارب بمكة فأراد أن يتخذ عند قريش معروفاً ليدفع أذاهم عن أقاربه فكتب لهم كتاباً بالذي أجمع عليه النبي ثم أعطاه امرأة توصله إليهم مقابل أجر فأخذته وأخفته في طيات شعرها فأتى النبي الخبر من السماء بما صنع حطاب فبعث علي والزبير والمقداد ليدركوها فأدركوها ووجدوا معها الكتاب فلمّا استفهم حاطب عن الأمر قال له: (يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت غريباً فيهم وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يداً وقد علمت أنّ الله ينزل بهم بأسه وأنّ كتابي لا يغني عنهم شيئاً فصدّقه الرسول وعذره وكان في ذلك أمر من الله وتحذير للمؤمنين بألا يجعلوا الكفار أنصاراً و أعواناً لأنّهم كفروا بالحق وعادوا الرسول فعليهم دائماً أن ينصروا الإسلام والمسلمين .
