يقول تعالى في مطلع سورة المجادلة: { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
شرح الألفاظ:
تجادلك في زوجها: تحاورك الكلام في شأن زوجها
منكراً من القول: كلاماً قبيحاً
زوراً: كذباً
الحكاية:
تستهل هذه السورة بإصلاح بعض تشريعات العرب في الجاهلية في ما يتعلق بالمرأة وهو ما يسمى (الظهار) والظهار أن يقول الرجل لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي فإذا قال الرجل لامرأته هذا الكلام تحرم عليه ولا تطلق منه وتبقى هكذا معلقة وقيل: إنّه كان طلاقاً يوجب حرمة مؤبدة لا رجعة فيه وقد كان الظهار سارياً قبل الإسلام يمارسه أهل الجاهلية ويصيب المرأة بظلم عظيم لا مبرر له .
ولقد رُوي أنّ سبب نزول هذه السورة هو أنّ أوس بن الصامت غضب على زوجته خولة بنت ثعلبة فقال لها: أنت عليّ كظهر أمي فاستعظمت ذلك وأنكرت أن يقول لها زوجها هذه المقالة فذهبت إلى النبي تشكو ظلم زوجها فقالت: يا رسول الله أكل مالي وأفنى شبابي ونثرت له بطني (أي أنها كانت تلد الأولاد عنده) حتى إذا كبرت سني ظاهر مني فجعل رسول الله يقول لها: ما أراك إلا قد حرمت عليه فتقول : يا رسول الله ما طلقني والله وإنّ لي منه صبية صغاراً إن تركتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إليّ جاعوا فماذا ترى؟ وأخذت تجادله وتتضرع إلى الله فنزلت الآية { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} فقد سمع الله قول تلك المرأة المظلومة التي جاءت إلى النبي تجادله وتراجعه القول في زوجها وتتضرع وتشكو أمرها إلى الله وأنزل في شأنها تشريعاً يرفع عن كاهلها الظلم فقال تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)
فالظهار في نظر الإسلام باطل في أساسه لأنّ الزوجة ليست أماً حتى تكون محرمة كالأم ولا يمكن أن تتحول الزوجة إلى أم بمجرد النطق بتلك الكلمة المنكرة المشوبة بالكذب ومن ثم تنتقل الآية إلى بيان الحكم الشرعي للظهار فيقول تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) فمن رجع عمّا قال ويريد استمرار العلاقة الزوجية فكفارة ذلك أن يحرّر عبد من الرق فمن لم يجد فليصم شهرين متتابعين فمن لم يستطع فعليه إطعام ستين مسكيناً وتلك شرائع الله وأحكامه التي يجب أن لا يتعداها المؤمن ومن يتعداها فإن (لِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ )